تعريف المكي والمدني
اختلف أهل العلم في تعريف المكي والمدني وانقسمت آراءهم في هذا الشأن إلى ثلاثة أقوال؛ فمنهم من يُعرِّفُ هذا الموضوع بناءً على مكان النزول فيُسَمُّون ما نزل بمكة وما حولها مكِّياً، وما نزل بالمدينة وما حولها مدنيا. ويُعاب على هذا الرأي عدم اشتماله على الآيات التي نزلت في غير مكة والمدينة ونواحيهما كبيت المقدس. ومنهم من يُعرِّف الموضوع بناءً على المخاطَب في القرآن، فإن ابتدأت الآيات ب"يا أيها الناس" أو "يا بني آدم" أسمَوْها مكية لأن الغالب على أهل مكة آنذاك هو الكفر، وإن ابتدأت الآيات ب"يا أيها الذين آمنوا" أسمَوْها مدنية لأن الإيمان كان هو الغالب على أهل المدينة. ويُعاب على هذا القول أن هناك سور قرآنية ليس فيها نداءٌ أصلا. ومنهم من يُعرِّف الموضوع بناء على زمن النزول، فيُسَمُّون الآيات التي نزلت قبل الهجرة مكية وإن كانت بغير مكة، ويُسَمُّون الآيات التي نزلت بعد الهجرة مدنية وان كانت بغير المدينة. وهذا التعريف هو الراجح حسب العلماء.
أهمية معرفة المكي والمدني
تكتسي معرفة المكي والمدني أهمية بالغة، فبفضل هذا العلم يمكن للمسلم أن يميز الناسخ من المنسوخ لأن المدني متأخر عن المكي وهو بالتالي ناسخ لبعض أحكامه. وبالإضافة إلى ذلك يمكن للمسلم أن يستعين بمعارفه عن المكي والمدني في تفسير القرآن الكريم وفهمه على الوجه الصحيح، لأن معرفة مكان النزول تساعد على تكوين صورة أوضح عن مفهوم الآية ومدلولاتها وسياقاتها التاريخية والجغرافية. كما تساهم معرفة المكي والمدني في التعرف على تاريخ التشريع الإسلامي وتدرجه عبر الزمن، فبعض الأحكام التي يضمنها القرآن الكريم مثلا، انتقلت بشكل تدريجي من الكراهة في الآيات المكية إلى التحريم في الآيات المدنية. كما تساعد معرفة المكي والمدني في تكوين صورة واضحة عن سيرة النبي الكريم من خلال متابعة أحواله وأحوال الناس من حوله في الآيات المكية، وتطور هذه الأحوال ومآلها في الآيات المدنية.
مكانة المكي والمدني
للمكي والمدني مكانة هامة عند المسلمين خاصة العلماء منهم. فقد حظي هذا المبحث القرآني بعناية صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ نزول الوحي أول مرة. فكانوا يضبطون منازل القرآن آيةً آيةً فيعرفون متى وأين وفيما نزلت هذه السورة أو تلك الآية. وقد كان ابن مسعود يقول إنه ما من سورة نزلت من كتاب الله إلا وهو أعلم بمكان نزولها، وزمان نزولها وموضوعها، وكان مستعدا لقطع مئات الكيلومترات لملاقاة من هم أعلم منه بالمكي والمدني. ولم تتوقف هذه العناية عند الصحابة فحسب، بل امتدت لتشمل التابعين والعلماء من بعدهم، فكانوا يعتنون بهذا المبحث القرآني ويتوخون فيه أقصى درجات الدقة، فبذلوا جهدا كبيرا في ترتيب الآيات وتدقيقها وفق مكان وزمان نزولها، وقد سُئل عكرمة يوما عن آية من القرآن، فأجاب أنها نزلت في سفح ذلك الجبل وأشار إلى سَلْع.
أوجه الاختلاف بين المكي والمدني
يمكن للمتأمل في الآيات المكية والمدنية أن يلاحظ الكثير من الاختلافات بينهما على عدة مستويات. ومن ذلك، أن كل السور المكية تحتوي على سجدة، وتتضمن لفظ "يا أيها الناس"، وفيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة. والسور المكية في الغالب تدعو إلى التوحيد وعبادة الله، وفيها ذكر يوم القيامة والجنة والنار، وفيها إدانة لأعمال المشركين وأعمالهم الهمجية، وفيها الكثير من قصص الأنبياء وتكذيب أقوامهم لهم. أما السور المدنية فتتميز باحتواء كلٍّ منها على فريضة أو حَدٍّ، وفيها أيضا ذكر للمنافقين، ومجادلة للكافرين، ودائما ما تبدأ السور المدنية بلفظ "يا أيها الذين آمنوا". ومن أبرز ما يميزها، بيان العبادات والمعاملات، والحدود الشرعية، والجهاد في سبيل الله، والدعوى للسِّلْم وللحرب حسب الظروف، وفيها عرض شامل لنظام الأسرة وقواعد الحكم وآليات التشريع.
0 تعليقات على " المكي والمدني في القرآن الكريم.. لمحات تعريفية "