من مقومات العلاقة الزوجية في الإسلام الصحبة والتآلف المبنيان على الحب والاحترام المتبادلين. لكن وبسبب اختلاف الأفكار والتوجهات يحدث أن يقع الزوجان في خلافات كبيرة يستحيل معها العيش تحت سقف واحد رغم محاولات رأب الصدع من هنا وهناك، ليصبح الطلاق شرا لا بد منه كما يقول المثل العربي. والطلاق في اللغة كما تعرفه المعاجم العربية يعني في عمومه فك القيد والوثاق وإطلاق الشيء وتسريحه وتحريره وتركه يمضي لحال سبيله، وفي الشرع كما يفسره الفقهاء معناه فسخ عقد الزواج أو النكاح قولا أو فعلا بلفظ مخصوص مع النية. وقد حث النبي الكريم المسلمين على عدم اللجوء إلى الطلاق إلا للضرورة القصوى بعد استنفاذ كل الحلول الممكنة، ويتجلى ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال عند الله الطّلاق).
ويعتبر هذا الحديث النبوي إضافة إلى قوله تعالى: (الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان) دليلا ثابتا على مشروعية الطلاق حسب معظم فقهاء المسلمين. واعتمادا على نفس الآية الكريمة يرى أهل العلم أن الطلاق مرتين مؤقت يجوز للزوج معه استرجاع زوجته قبل العِدة وهي ثلاثة أشهر، أما الطلاق ثلاث مرات فهو طلاق ثابت لا يمكن فيه للزوج استرجاع زوجته بعقد جديد إلا إذا تزوجت رجلا غيرَه بنية الدوام وطلقها فيما بعد لسبب من الأسباب. ويُقسِّم العلماء الطلاق إلى عدة حالات، فيكون مُحرَّما إذا وقع في فترة الحيض، ويكون مكروها إذا كان لغير سبب، ويكون مباحا إذا حكم به القاضي أو حكمان من أهله وأهلها، ويكون مندوبا إذا لم تكن الزوجة عفيفة.
وأنواع الطلاق كثيرة ومختلفة بعضها دائم وبعضها مؤقت وبعضها ينتهي بزوال المانع، ومن ذلك طلاق البينونة الصغرى وفيه يطلق الزوج زوجته بلفظ الطلاق مرة واحدة فلا تحرم عليه ويحل له استرجاعها دون عقد نكاح جديد، وهناك طلاق البينونة الكبرى وفيه يطلق الزوج زوجته ثلاث طلقات في أوقات متفاوتة ومختلفة وفيه تحرم عليه إلا إذا تزوجت غيره وطلقها بدوره، وهناك الخلع وهو اتفاق بين الزوجين على فسخ عقد الزواج بمقابل تدفعه الزوجة لفك الارتباط بزوجها بسبب استحالة العشرة معه لسبب من الأسباب كتعنيفها وإهمالها وسوء الأدب معها ونحو ذلك، وهناك طلاق القاضي وفيه يقرر القاضي تطليق الزوجة من زوجها بسبب غيابه الطويل دون مبرر شرعي، أو انقطاع أخباره كليا، أو بسبب إهماله لها.
ولأن الإسلام دين العدل والقسط، فقد كفل للمرأة المطلقة حقوقها كاملة غير منقوصة ويتجلى ذلك في قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿لا جُناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسِع قدره وعلى المُقتِر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين﴾. ومن ذلك، المتعة وهو مبلغ من المال يدفعه الزوج لطليقته على قدر وُسْعِه وطاقته تعويضا لها على فشل الزواج وعدم استمراره، وهناك مؤخَّر الصداق إذا كان في ذمة الزوج حيث يؤديه لها لأنه دَيْن واقع على عاتقه تجاهها، وهناك النفقة والمسكَن إذا وقع الطلاق في العدة الرجعية أو إذا كانت المرأة حاملا مصداقا لقوله تعالى في سورة الطلاق: ﴿أسكنوهن من حيث سكنتم مِن وُجْدِكُم ولا تُضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كُنَّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن﴾. وهناك أجرة الإرضاع إذا طُلقت المرأة في فترة الإرضاع مصداقا لقوله تعالى: ﴿فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن﴾. وتنضاف لهذه الحقوق المادية حقوق أدبية أبرزها أن يصير أمر المطلقة بيدها بعد الطلاق، فيجوز لها أن تتزوج رجلا آخر غير طليقها بإرادتها الحرة على سنة الله ورسوله.
0 تعليقات على " الطلاق في الإسلام، حقوق المرأة مكفولة رغم الفراق "